فصل: قال الماوردي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.تفسير الآيات (58- 60):

قوله تعالى: {وَلَقَدْ ضَرَبْنَا للنَّاس في هَذَا الْقُرْآن منْ كُلّ مَثَلٍ وَلَئنْ جئْتَهُمْ بآيَةٍ لَيَقُولَنَّ الَّذينَ كَفَرُوا إنْ أَنْتُمْ إلَّا مُبْطلُونَ (58) كَذَلكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى قُلُوب الَّذينَ لَا يَعْلَمُونَ (59) فَاصْبرْ إنَّ وَعْدَ اللَّه حَقٌّ وَلَا يَسْتَخفَّنَّكَ الَّذينَ لَا يُوقنُونَ (60)}.

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما أبانت هذه السورة طرق الإيمان أيّ بيان، وألقت على وجوه أهل الطغيان غاية الخزي والهوان، وكان التقدير: لقد أتينا في هذه السورة خاصة بعد عموم ما في سائر القرآن بكل حجة لا تقوم لها الأمثال، ولم نبق لأحد عذرًا ولا شيئًا من إشكال، لكونها ليس لها في وضوحها مثال، عطف عليه قوله صارفًا الكلام إلى مقام العظمة تقبيحًا لمخالفتهم لما يأتي من قبله وترهيبًا من الأخذ مؤكدًا لأنهم ينكرون أن يكون في القرآن دلالة، ومن أقر منهم مع الكفر فكفره قائم مقام إنكاره: {ولقد ضربنا}.
ولما كانت العناية فيها بالناس أكثر، قال: {للناس} فقدمهم في الذكر {في هذا القرآن} أي عامة هذه السورة وغيرها {من كل مثل} أي معنى غريب هو أوضح وأثبت من أعلام الجبال، في عبارة هي أرشق من سائر الأمثال.
ولما كان المختوم على مشاعرهم منهم لا يؤمنون بشيء.
وكان ذلك من أدل دليل على علمه تعالى وقدرته، قال مقسمًا تكذيبًا لقولهم في الاقتراحات خاصًا من أهل العلم والإيمان رأسهم، دلالة على أن التصرف في القلوب من العظم بمكانة تجل عن الوصف، معبرًا بالشرط إعلامًا بأنه سبحانه لا يجب عليه شيء، عاطفًا على نحو: فلم ينفعهم شيء من ذلك: {ولئن جئتهم} أي الناس عامة {بآية} أي دلالة واضحة على صدقك معجزة، غير ما جئتهم به مما اقترحوه ووعدوا الإيمان به مرئية كانت أو مسموعة {ليقولن الذين كفروا} أي حكمنا بكفرهم غلظة وجفاء، ودل على فرط عنادهم بقوله: {إن} أي ما ولما كان التخصيص بالغلظة أشد على النفس، ضم إليه أتباعه تسلية وبيانًا لعظيم شقاقهم فقال: {أنتم} أي أيها الآتي بالآية وأتباعه {إلا مبطلون} أي من أهل العرافة في الباطل بالإتيان بما لا حقيقة له في صورة ما له حقيقة، وأما الذين آمنوا فيقولون: نحن بهذه الآية مؤمنون.
ولما كان من أعجب العجب أن من يدعي العقل يصر على التكذيب بالحق، ولا يصغي لدليل، ولا يهتدي لسبيل، قال مستأنفًا في جواب من سأله: هل يكون مثل هذا الطبع؟ ومرغبًا في العلم: {كذلك} أي مثل هذا الطبع العظيم جدًا، ولما كان كون الشيء الواحد لناس هداية ولناس ضلالة جامعًا إلى العظمة تمام العلم والحكمة، صرف الخطاب عنها إلى الاسم الأعظم الجامع فقال: {يطبع الله} أي الذي لا كفوء له، فمهما أراد كان، عادة مستمرة، ونبه على كثرة المطبوع عليهم بجمع الكثرة فقال: {على قلوب الذين لا يعلمون} أي لا يجددون- أي لعدم القابلية- العلم بأن لا يطلبوا علم ما يجهلونه مما حققه هذا الكتاب من علوم الدنيا والآخرة رضىً منهم بما عندهم من جهالات سموها دلالات، وضلالات ظنوها هدايات وكمالات.
ولما كان هذا مذكرًا بعظيم قدرته بعد الإياس من إيمانهم، سبب عنه قوله: {فاصبر} أي على إنذارهم مع هذا الجفاء والرد بالباطل والأذى، فإن الكل فعلنا لم يخرج منه شيء عن إرادتنا.
ولما كان قد تقدم إليه بأنه لابد أن يظهر أمره على كل أمر، علله بقوله مؤكدًا لأن إنفاذ مثل ذلك في محل الإنكار لعظم المخالفين وكثرتهم مظهرًا غير مضمر لئلا يظن التقييد بحيثية الطبع: {إن وعد الله} أي الذي له الكمال كله في كل ما وعدك به الذي منه نصرك وإظهار دينك على الدين كله ونصر من قارب أتباعك في التمسك بكتاب من كتب الله وإن كان قد نسخ على من لا كتاب له {حق} أي ثابت جدًا يطابقه الواقع كما يكشف عنه الزمان، وتأتي به مطايا الحدثان.
ولما كان التقدير: فلا تعجل، عطف عليه قوله: {ولا يستخفنك} أي يحملنك على الخفة ويطلب أن تخف باستعجال النصر خوفًا من عواقب تأخيره أو بتفتيرك عن التبليغ، بل كن بعيدًا منهم بالغلظة والجفاء والصدع بمر الحق من غير محاباة ما، بعدًا لا يطمعون معه أن يحتالوا في خفتك في ذلك بنوع احتيال، وقراءة {يستحقنك} من الحق معناها: أي لا يطلب منك الحق الذي هوالفصل العدل بينك وبينهم أي لا تطلبه أنت، فهو مثل: لا أرينك هاهنا تنهى نفسك وأنت تريد نهيه عن الكون بحيث تراه، والنهي في قراءة الجماعة بالثقيلة أشد منه في رواية رويس عن يعقوب بالخفيفة، فقراءة الجماعة مصوبة إلى أصل الدين، أي لا تفعل معهم فعلًا يطمعهم في أن تميل إليهم فيه، وقراءة رويس إلى نحو الأموال فإنه كان يتألفهم بالإيثار بها، ولا شك أنه إذا آثرهم على أكابر المسلمين أطمعهم ذلك في أن يطلبوا أن يميل معهم، وما أفاد هذا إلا تحويل النهي، ولو قيل: لا تخفن معهم، لم يفد ذلك، ولا يقال عكس هذا من أن النهي في الثقيلة أخف لأنه نهي عن الفعل المؤكد فيبقى أصل الفعل.
وكذا ما صحبه تأكيد خفيف، وفي الخفيفة غير المؤكد تأكيدًا خفيفًا فلا يبقى غير أصل الفعل فهو أبلغ، لأن النون لم تدخل إلا بعد دخول الناهي فلم تفد إلا قوة النهي لا قوة المنهي عنه. والله تعالى أعلم.
{الذين لا يوقنون} أي أذى الذين لا يصدقون بوعودنا تصديقًا ثابتًا في القلب بل هم إما شاكون فأدنى شيء يزلزلهم كمن يعبد الله على حرف، أو مكذبون بنصر الله لأوليائه المؤمنين ولمن قاربهم في التمسك بكتاب أصله صحيح، فهم يبالغون في العداوة والتكذيب حتى أنهم ليخاطرون في وعد الله بنصر الروم على فارس، كأنهم على ثقة وبصيرة من أمرهم في أن ذلك لا يكون، فإذا صدق الله وعده في ذلك بإظهار عن قريب علموا كذبهم عيانًا، وعلموا- إن كان لهم علم- أن الوعد بالساعة لإقامة العدل على الظالم والعود بالفضل على المحسن كذلك يأتي وهو صاغرون، ويحشرون وهو داخرون، {وسيعلم الذين ظلموا أيّ منقلب ينقلبون} [الشعراء: 227]، فقد انعطف آخرها على أولها عطف الحبيب على الحبيب، واتصل به اتصال القريب بالقريب، والتحم التحام النسيب بالنسيب. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

قوله: {وَلَقَدْ ضَرَبْنَا للنَّاس في هذا القرءان من كل مَثَل}.
إشارة إلى إزالة الأعذار والإتيان بما فوق الكفاية من الإنذار، وإلى أنه لم يبق من جانب الرسول تقصير، فإن طلبوا شيئًا آخر فذلك عناد ومن هان عليه تكذيب دليل لا يصعب عليه تكذيب الدلائل، بل لا يجوز للمستدل أن يشرع في دليل آخر بعد ما ذكر دليلًا جيدًا مستقيمًا ظاهرًا لا غبار عليه وعانده الخصم، لأنه إما أن يعترف بورود سؤال الخصم عليه أو لا يعترف، فإن اعترف يكون انقطاعًا وهو يقدح في الدليل أو المستدل، إما بأن الدليل فاسد، وإما بأن المستدل جاهل بوجه الدلالة والاستدلال، وكلاهما لا يجوز الاعتراف به من العالم فكيف من النبي عليه الصلاة والسلام، وإن لم يعترف يكون الشروع في غيره موهمًا أن الخصم ليس معاندًا فيكون اجتراؤه على العناد في الثاني أكثر لأنه يقول العناد أفاد في الأول حيث التزم ذكر دليل آخر.
فإن قيل فالأنبياء عليهم السلام ذكروا أنواعًا من الدلائل، نقول سردوها سردًا، ثم قرروها فردًا فردًا، كمن يقول الدليل عليه من وجوه: الأول كذا، والثاني كذا، والثالث كذا، وفي مثل هذا الواجب عدم الالتفات إلى عناد المعاند لأنه يزيده بعناده حتى يضيع الوقت فلا يتمكن المستدل من الإتيان بجميع ما وعد من الدلائل فتنحط درجته فاذن لكل مكان مقال.
وإلى هذا وقعت الإشارة بقوله تعالى: {وَلَئن جئْتَهُمْ بئَايَةٍ لَّيَقُولَنَّ الذين كَفَرُوا إنْ أَنتُمْ إلاَّ مُبْطلُونَ} وفي توحيد الخطاب بقوله: {وَلَئن جئْتَهُمْ} والجمع في قوله: {إنْ أَنتُمْ} لطيفة وهي أن الله تعالى قال: {وَلَئن جئْتَهُمْ بكُلّ ءايَةٍ} جاءت بها الرسل ويمكن أن يجاء بها يقولون أنتم كلكم أيها المدعون للرسالة مبطلون.
ثم بين تعالى أن ذلك بطبع الله على قلوبهم بقوله: {كذلك يَطْبَعُ الله على قُلُوب الذين لاَ يَعْلَمُونَ} فإن قيل من لا يعلم شيئًا أية فائدة في الإخبار عن الطبع على قلبه؟ نقول المعنى هو أن من لا يعلم الآن فقد طبع الله على قلبه من قبل، ثم إنه تعالى سلى قلب النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: {فاصبر إنَّ وَعْدَ الله حَقٌّ} أي أن صدقك يبين وقوله: {وَلاَ يَسْتَخفَّنَّكَ الذين لاَ يُوقنُونَ} إشارة إلى وجوب مداومة النبي عليه الصلاة والسلام على الدعاء إلى الإيمان فإنه لو سكت لقال الكافر إنه متقلب الرأي، لا ثبات له، والله أعلم بالصواب وإليه المرجع والمآب والحمد لله رب العالمين وصلاته على سيد المرسلين وآله وصحبه أجمعين. اهـ.

.قال الماوردي:

قوله: {فَاصْبرْ إنَّ وَعْدَ اللَّه حَقٌّ}.
هذا خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم ويحتمل وجهين:
أحدهما: أن وعد الله في نصرك وتأييدك حق.
الثاني: أن وعده في انتقامه من أعدائك حق.
{وَلاَ يَسْتَخفَّنَّكَ} فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: لا يَسْتَعْجَلَنَّكَ، قاله ابن شجرة.
الثاني: لا يَسْتَفزَّنَّكَ، قاله يحيى بن سلام.
الثالث: لا يستنزلنك، قاله النقاش.
{الَّذينَ لاَ يُوقنُونَ} فيه وجهان:
أحدهما: لا يؤمنون.
الثاني: لا يصدقون بالبعث والجزاء، روى سعيد عن قتادة أن رجلًا من الخوارج قال لعلي كرم الله وجهه وهو خلفه في صلاة الصبح {لَئنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} الآية. فقال له عليّ وهو في الصلاة {فَاصْبرْ إنَّ وَعْدَ اللَّه حَقٌّ وَلاَ يَسْتَخفَّنَّكَ الَّذينَ لاَ يُوقنُونَ} والله أعلم. اهـ.

.قال ابن عطية:

{وَلَقَدْ ضَرَبْنَا للنَّاس في هذا القرءان من كُلّ مَثَلٍ}.
ثم أخبر تعالى عن قسوة قلوبهم وعجرفة طباعهم في أنه ضرب لهم كل مثل وبين عليهم بيان الحق ثم هم مع ذلك الآية والمعجزة يكفرون ويلجون ويعمهون في كفرهم، ويصفون أهل الحق بالإبطال، ثم أخبر تعالى أن هذا إنما هو من طبعه وختمه على قلوب الجهلة الذين قد حتم عليهم الكفر في الأزل، وذهب أبو عبيدة إلى أنه من قولهم طبع السيف أي صدىء أشد صدأ، ثم أمر نبيه بالصبر وقوى نفسه لتحقيق الوعد ونهاه عن الاهتزاز لكلامهم والتحرك واضطراب النفس لأقوالهم إذ هم لا يقين لهم ولا بصيرة، وقرأ ابن أبي إسحاق ويعقوب {يستحقنك} بحاء غير معجمة وقاف من الاستحقاق، والجمهور على الخاء المعجمة والفاء من الاستخفاف، إلا أن ابن أبي إسحاق ويعقوب سكنا النون من {يستخفنك} وروي أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه كان في صلاة الفجر فناداه رجل من الخوارج بأعلى صوته فقرأ هذه الآية: {ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين} [الزمر: 65]، فعلم علي رضي الله عنه مقصده في هذا وتعريضه به فأجابه وهو في الصلاة بهذه الآية: {فاصبر إن وعد الله حق ولا يستخفنك الذين لا يوقنون}. اهـ.

.قال ابن الجوزي:

قوله تعالى: {ولئن جئتَهم بآية} أي: كعصا موسى ويده {لَيَقُولَنَّ الذين كفروا إنْ أنْتم} أي: ما أنتم يا محمد وأصحابك {إلا مُبْطلون} أي: أصحاب أباطيل، وهذا بيان لعنادهم.
{كذلك} أي: كما طبع على قلوبهم حتى لا يصدّقون الآيات {يَطبع اللّهُ على قُلوب الذين لا يَعْلَمون} توحيد الله؛ فالسبب في امتناع الكفار من التوحيد، الطَّبْع على قلوبهم.
قوله تعالى: {فاصْبر إنَّ وَعْدَ الله} بنصرك وإظهارك على عدوّك {حقٌّ}.
{ولا يَسْتَخفَّنَّكَ} وقرأ يعقوب إلا روحًا وزيدًا: {يَسْتَخفَّنْكَ} بسكون النون.
قال الزجاج: لايَستفزَّنَّك عن دينك {الذين لا يُوقنونَ} أي: هم ضُلاَّلٌ شاكُّونَ.
وقال غيره: لا يُوقنون بالبعث والجزاء.
وزعم بعض المفسرين أن هذه الآية منسوخة. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {وَلَقَدْ ضَرَبْنَا للنَّاس في هذا القرآن من كُلّ مَثَلٍ} أي من كل مَثَل يدلُّهم على ما يحتاجون إليه، وينبههم على التوحيد وصدق الرسل.
{وَلَئن جئْتَهُمْ بآيَةٍ} أي معجزة؛ كفلق البحر والعصا وغيرهما {لَّيَقُولَنَّ الذين كفروا إنْ أَنتُمْ} يا معشر المؤمنين.
{إلاَّ مُبْطلُونَ} أي تتبعون الباطل والسحر {كَذَلكَ} أي كما طبع الله على قلوبهم حتى لا يفهموا الآيات عن الله فكذلك {يَطْبَعُ الله على قُلُوب الذين لاَ يَعْلَمُونَ} أدلّة التوحيد {فاصبر إنَّ وَعْدَ الله حَقٌّ} أي اصبر على أذاهم فإن الله ينصرك.
{وَلاَ يَسْتَخفَّنَّكَ} أي لا يستفزنّكَ عن دينك {الذين لاَ يُوقنُونَ} قيل: هو النضر بن الحارث.
والخطاب للنبيّ صلى الله عليه وسلم والمراد أمته؛ يقال: استخف فلان فلانًا أي استجهله حتى حمله على اتباعه في الغيّ.
وهو في موضع جزم بالنهي، أُكّد بالنون الثقيلة فبُنَي على الفتح كما يبنى الشيئان إذا ضم أحدهما إلى الآخر.
{الَّذينَ لاَ يُوقنُونَ} في موضع رفع، ومن العرب من يقول: اللذون في موضع الرفع.
وقد مضى في الفاتحة. اهـ.

.قال أبو السعود:

{وَلَقَدْ ضَرَبْنَا للنَّاس في هذا القرءان من كُلّ مَثَلٍ} أي وبالله لقد بينَّا لهم كلَّ حالٍ ووصفنا لهم كلَّ صفةٍ كأنَّها في غرابتها مَثَلٌ وقصصنا عليهم كلَّ قصَّةٍ عجيبة الشَّأن كصفة المبعوثينَ يومَ القيامة وقصتهم وما يقولُونَ وما يُقال لهم ويفعلُ بهم من ردّ اعتذارهم {وَلَئن جئْتَهُمْ بئَايَةٍ} من آيات القُرآن النَّاطقة بأمثال ذلك {لَّيَقُولَنَّ الذين كَفَرُوا} لفرط عتوّهم وعنادهم وقساوة قلوبهم مخاطبينَ للنبيّ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ والمؤمنين {إنْ أَنتُمْ إلاَّ مُبْطلُونَ} أي مزوّرون {كذلك} مثلَ ذلك الطَّبع الفظيع {يَطْبَعُ الله على قُلُوب الذين لاَّ يَعْلَمُونَ} لا يطلبونَ العلمَ ولا يتحرَّون الحقَّ بل يُصرُّون على خرافاتٍ اعتقدوها وتُرَّهاتٍ ابتدعُوها فإن الجهلَ المركَّبَ يمنعُ إدراكُ الحقّ ويوجبُ تكذيبَ المُحقّ.
{فاصبر} على ما تُشاهد منهم من الأقوال الباطلة والأفعال السئية {إنَّ وَعْدَ الله حَقٌّ} وقد وعدك بالنُّصرة وإظهار الدّين وإعلاء كلمة الحقّ ولابد من إنجازه والوفاء به لا محالةَ {وَلاَ يَسْتَخفَّنَّكَ} لا يحملنَّك على الخفَّة والقلق {الذين لاَ يُوقنُونَ} بما تتلُو عليهم من الآيات البيّنة بتكذيبهم إيَّاها وإيذائهم لك بأباطيلهم التي منْ جُملتها قولُهم إنْ أنتُم إلا مُبطلون فإنَّهم شاكُّون ضالُّون ولا يُستبعد منهم أمثالُ ذلك. وقُرئ بالنُّون المخففة وقُرئ ولا يستحقنَّك من الاستحقاق أي لا يفتُننَّك فيملكوكَ ويكونُوا أحقَّ بك من المؤمنينَ. وأيًا ما كان فظاهرُ النَّظم الكريم وإنْ كان نهيًا للكَفَرة عن استخفافه عليه السَّلامُ عن التَّاثر من استخفافهم والافتنان بفتنتهم على طريق الكناية كما في قوله تعالى: {وَلاَ يَجْرمَنَّكُمْ شَنَانُ قَوْمٍ عَلَى أَن لا تَعْدلُوا}. اهـ.